Thursday, September 18, 2008

رائحة الحقائب والسفر


15.9
نافذة الجدة , ذلك المكان الوحيد في العالم الذي إذا وضعت تحته رأسي أذهب في نوم عميق , أرفع رأسي لأرى نافذة حمام شقتنا القديمة عند الجدة , رائحة السفر والوداع تتسحب إلى ذاكرتي ,أيام الوداع حين تتجمع العائلة كلها , لم أكن أعي سبب الدموع , لم أكن أعلم جدواها , لماذا يبكون وأنا سعيد بالسفر , نستقل العربة ومازالت الدموع في عين أمي , لماذا مايسعدني يبكيها ؟...رائحة الحقائب والسفر مرة أخرى , ليلة التي تسبق يوم السفر , لاأنام أبداً تلك الليلة ,أظل أمني نفسي بتلك الساعة التي ستأتي أمي لتوقظني لأستيقظ وأرتدي ملابسي الجديدة وحذائي الجديد .....كأنه يوم العيد , أعلقها وأظل أراقبها طوال الليل , ولكن يأتي النوم على اللحظات الأخيرة لأفاجئ بأمي توقظني وأنا أقاومها ولكن لامفر ,أظل دقائق حتى أدرك مايدور حولي ...أمي في عجلة من أمرها تذهب من غرفة لغرفة في عجلة ..لهوجة صباح يوم السفر , أبناء الخالة يساعدونها في إعداد الحقائب الصغيرة المحمولة في اليد , وأنا مازلت لم أقرر النهوض للإستحمام ...صراخ أمي فقط هو مايرغمني على القفز من الفراش
رغم أن الشقة القديمة كانت صغيرة وضيقة ولكنها تحوي بين جدرانها الكثير من الذكريات التي أشتم رائحتها بين أثاثها ,رائحة النفتالين المدسوس بين الملابس ,الساعة البندول في الصالة التي كانت تظل تدق طوال الليل كأنها أصبحت من أساسيات المكان , صوت ساعة الشركة
تنطلق السيارة إلى القاهرة ذلك الطريق الذي دوماً ماكنت أنام وأفاجئ أننا على أعتاب القاهرة , نمر أولاً على مدينة نصر ,مكان أخر يحمل الكثير والكثير , الحي السابع , أتركها من السنة إلى السنة وهي لاتتغير نفس العمارة نفس الشقة نفس البلكونة الصغيرة المطلة عليها شجرة ..كثيراً ماكنت ألهو بأوراقها التي كنت أمزقها فتخرج سائلاً أبيض , نفس الميكرويف العتيق , دراجتي الحمراء بثلاث عجلات , صوت الطائرات التي تمر من فوقنا , أوراق مكدسة فوق بعضها البعض وكتب ...دقائق وننطلق
......


وداع أخير
تلك اللحظة التي يتركنا فيها الخال وحدنا داخل المطار وتكون أمي مسئولة عن كل شئ , وأنا ألملم شتات إخوتي المتبعثر بما أني الكبير..إجراءات السفر الممله والإنتظار الرتيب ..حتى ننتقل إلى القاعة الأخيرة ..نجلس حتى يحين وقت الصعود لمتن الطائرة ...كم كنت أعشق تلك اللحظة ..ذلك الممر الطويل الذي كنا نسير فيه حتى نجد أمامنا باب الطائرة ..وأمي كالعادة في عجله من أمرها
ماهي إلا ساعات قليلة حتى نجد الطائر تهبط ...وصلنا نعم وصلنا ..أنتظر تلك الفرصة التي أرى فيها أبي من بعيد , بعد الإنتهاء من إجراءات الوصول , نتلفت يميناً ويساراً في لهفه بحثاً عن الأب ...قادماً من بعيد مبتسماً ..دوماً ماكنت أجد فيه شيئاً مختلفاً كأن صورته مختلفة عما كنت أجهزها له في مخيلتي طوال ساعات السفر
يحتضنا ويقبلنا ويحتضن أمي ...أيضاً كنت أظن أن فائدة الأحضان والقبلات تتمثل في تلك اللحظات فقطأعود مرة أخرى حين أدرك أن النافذة الصغيرة مغلقة , كأني أهرب من كل ذلك ..ربما لم أصعد درجات السلم منذ سنوات ..مع أني أذهب للجدة طوال الوقت ..مالفائدة من التحليق في سماء الذكريات المعبقة برائحة الحقائب والسفر طالما أنني سأسقط على أرض الواقع في النهاية
------------
Pic from Flickr

4 comments:

Burcu said...

Hello...
I hope everything is ok with you!
I am one of fans of Sami Yusuf as a Muslim!
Have a nice weekend...
Love from Turkey

عابر سبيل said...

بكلامك دة فكرتنى بالسفر بس مش للخارج للمصيف ايام ماكنا بنروح انا وخالتى وكانت ايام جميلة يعتبر كنا بنفضى البيت فى شنط بس احساس حلو السفر وانا اكتر حاجة ممتعة عندى السفر وبالذات اما اكون مخنوق ......شكرا

emad.algendy said...

حديثك ذكرني ايضا بالسفر
كانت ايام لا تعوض
لكن كما قلت لماذا نحلق في الذكريات لنرتطم بالواقع
اذكر جيدا اول عام جامعي هنا بوطني
كنت ادمن مشاهدة صوري مع اصدقائي هناك
لكن الان
لم اعد اجرا ان افتح البومي
الذكريات لن توصلني لشيء
لكن مازلت اتمنى عودة تلك الايام
او على الاقل ان اهاجر خارج هذا
السجن الكبير
ربما كان موضوعك في فترة اشعر بها اني وحيد بعض الشيء
افارق كثيرا هذه الفترة

الصورة جميلة
تحياتي لاختيارك

فـــر يـــــدة said...

ابتسمت و أنا أقرأ كلماتك .. سردك بالرغم من بساطته فهو منمق بشكل ملفت ، أنت تريد أن تكمل القراءة للنهاية ، ربما لأن من أمامك يصفك و انفعالاتك وقت السفر بذات الطريقة التى كنت ستصف بها أو أحسن بكثير
تقبل تحياتى