Tuesday, January 11, 2011

الحياة يوم



يوم كامل من الإنهاك التام فالعودة متأخراً من أحد المناسبات السعيدة ,حفل زفاف لإبنة عمي ,الساعة كانت حوالي الثالثة صباحاً ,كان بالتأكيد أنتظرت حتى صلاة الفجر وأقرر بعدها النوم , ولكن هيهات فالنوم لايزورني بعد الفجر , ولاأحصل إلا على بعد التقلبات فوق الفراش لمحاولة النوم ,أقرر أن أدير التلفزيون والإنتقال بين القنوات الممله حتى الشروق , إستندت برأسي على ظهر الأريكه وتركت التلفاز وجلست أفكر في حفل الزفاف , ليس حفل الزفاف بالتحديد ولكن حب جديد يطرق أبواب القلوب , لا ليس مرة أخرى , المنزل في غاية الهدوء ,صباح يوم الجمعه والسكون يعم المكان , رنين الهاتف يقطع تفكيري ,أنتفض وأسرع حتى لايستيقظ النائمون ,أرفع سماعة الهاتف ,صوت غير مألوف بالمرة ,يخبرني هل أمي موجوده ,أخبره أنها نائمه ولاأستطيع إيقاظها الأن ,يتضح لي أنه أحد الأقرباء , أستوضح منه الأمر يخبرني أن هناك حالة وفاة ,كم أكره تلك الهواتف الصباحية التي تخبرنا عن الأموات مع شروق الشمس ,ليس جيداً أبداً أن يستيقظ المرء على خبر وفاة أحد المقربين إليه , يخبرني أن أوقظها لأن صلاة الجنازة بعد صلاة الجمعه ,أتقدم نحو الغرفة بخطاً ثقيله , أوقظ أمي ,أخبرها بصوت منخفض أن أحد الأقرباء أتصل وأخبرني عن حالة وفاة ,من ؟ 
إبن خالتك الكبير, لحظة صمت ,كأنها صدمة تلك لحظة اللا رد فعل ,فقط ذهول ممزوج بالصدمة ,إنسحبت إلى الخارج ,بعدها بقليل أستيقظت و أجرت مكالمة تليفونية , أخبرتها أنني سأصاحبهم إلى البلده , أعتقد أن إبن المتوفي وهو أحد أصدقائي في حاجه إلي , نظرت إلي وقالت في نبرة باكية ,محمد كأنها تذكرته ,تلك الساعات التي مرت من الوجوم والحزن الشديد ,فمحمد ليس صغيراً وليس هو الوحيد الذي يفقد أبيه ولكن محمد الأن أصبح بلا أب وأم ,كلما أفكر في الأمر أكاد أتقطع من الداخل ,كان قد أتصل بي قبل أسابيع وأخبرني أنني يجب أن أسافر له في مدينته وأقضي معه يوم , ووعدته أنا بذلك ولكن لم أكن أعلم أنني بالفعل سأسافر له ولكن لأصلي على أبيه ؟

الساعه حوالي العاشرة , الجو حار والطريق على الأقل سيأخذ ساعتين حتى نصل إلى المدينه ومن ثم نسلك الطريق إلى القرية , توقفت السيارة أكثر من مرة ,تبديل الإطارات , ثم زيادة درجة حرارة الموتور أكثر من مرة ,حتى وصلنا إلى المدينه ومن ثم سلكنا طريق القرية المتعرج الضيق , أتذكر آخر مرة أتيت فيها إلى قرية أمي ,عندما توفت الجدة , كان يوماً منهكاً هو الأخر , كنت في ذهول , لم أذهب إليها من ذلك اليوم , كم أنا مقصر ....نصل حوالي الواحدة نتجه إلى الدار ,أكثر المشاهد كآبة في العالم أجمع مجموعه من النسوة يجتمعن كأنهن عتمة سوداء أصابت عيني ,أكره نسوة الجنائز أشعر بإنقباض عندما أراهن , نبحث عن ظل للسيارة حتى تبرد قليلاً , نسلك الطريق إلى مسجد القرية وتصعد أمي إلى الدار , لم يكن المشهد يوم وفاة جدتي كاليوم , كنا في الشتاء أما الأن فسنابل القمح تكون جدراناً عالية لاترى من حولك شيئاً , ننهي صلاة الجمعه ونتجه إلى أحد الساحات الكبيرة للصلاة على الميت ,كانت الأعداد غفيرة بالفعل أرمق محمد من بعيد محاطاً ببعض الأصدقاء ,يبدو شاحباً ومنهكاً , كيف أستطيع أن أصف من فقد للتو من تبقى له في الدنيا بعد أن فقد أمه منذ أن كان صغيراً منذ سنوات عديدة ,معه الله فليكن في عونه ,ننهي الصلاة ونتجه للدفن , أستنشق الغبار المتصاعد من طرق وأزقة القرية الغير ممهدة , تتطاير أحاديث المشيعيين في أذني عن كيف أن المتوفي قد فارق الحياة في المسجد بعد صلاة العشاء , أتذكر المتوفي يوم أن صلى بنا إماماً يوم وفاة الجدة , اليوم نصلي نحن عليه , ويلحق هو بخالته ...؟

لم أستطع أن أرى محمد بسبب الزحام الشديد , يرفع المشيعيين الجثمان ويتجه إلى مثواه الأخير ,لحظتها إنتابتني نوبة بكاء , تذكرت ذنب لي , لم أكن أبكي على الميت بل على نفسي , فقد أكرمه الله بميته أتمناها ولكن بكيت مشفقاً على نفسي ,بكيت حسرة على نفسي ,إتجهت إلى إبن خالتي ,طلبت منه أن يذهب بي إلى قبر الجدة
نحيب مكتوم 
وأشعة الشمس قاربت على المغادرة , وبعض مشاعر الأسى أيضاً تقارب على الرحيل , السنابل المهتزة والعصافير المتراقصة
فتاة صغيرة  في الخامسة كانت قد آتت مع أحد المعزيين , ملابسها زاهية بلون الحياة وخصلاتها تلاعبها نسمات العصر الحفيفة 

لم تأبه أبداً للوجوم الذي كان قد أحكم قبضته على المكان ولكن تسربا الأمل والبهجه من خلالها على إستحياء , أخذت ألاعبها قليلاً وأخذت تمسح عني الأسى ببسمتها المشرقة 
طريق العودة الأخضر والشمس تغيب بين الحقول وبدون توقف , وأحاديث عن الحياة بكل تفاصيلها التي تترك إنطباعاً مبهجاً 
بدى الطريق أقصر , ربما لأن السيارة لم تتوقف فلا سخونة محرك ولا تبديل إطارات أم ربما تلك الأحاديث كان لها أثراً