Tuesday, April 07, 2009

صديقي وغربة من نوع آخر


نظر لي ..وبكى ..ارتمى بين أحضاني ..كان يرتعش بشدة , كان ذلك المشهد يدفعني إلى البكاء ..أحاول جاهداً أن أدفع دموعي عائدة إلى مقلتيّ ..أن أتماسك قليلاً , حاولت أن أستفهم بعد أن هدئ قليلاً ....ظل صامتاً ناظراً إلى أرض الحجرة ..أعتذر ولكني كنت بحاجه إلى البكاء فقط ..أنا الأن بخير صدقني ..لم أضغط عليه أبداً .."مادام هذا سيريحك ..فليكن "يمكنك أن تبيت معيّ الليلة ...يمكنك أن تشاركني السرير ..نظر إليّ وعلى وجهه نصف إبتسامه ..أومأ برأسه .."نعم ..نعم لامانع في ذلك " ولكن لن تشاركني في طبق الطعام ..المشاركة في السرير فقط ...عادة هذا هو صديقي يطلق الدعابات في أحلك الظروف,في تلك الليلة صلينا سوياً,كان هو الإمام وأطال السجود ,كدت أسمع نحيبه وآنينه المكتوم
..كان آنينه يؤلمني..كدت أن أقوم من السجود أوقفه عن نحيبه المكتوم
...في الصباح الباكر ونحن نتناول الفطور سوياً أخبرني أنها ماتت في حادث مروري ...من؟ ..أمه ماتت في حادث مروري ..كان متماسكاً على عكس الأمس ..لن يستطيع أن يشارك في مراسم الدفن ..لن يستطيع ...؟

أخفى رأسه بين يديه وأخذ يهز رأسه في شده ..كأنه يقاوم نوبة الأمس ..:نعم لن أستطيع أن أرى وجهها قبل تدفن ..أخبرتني أختي بالأمس ..أخبرتني ان الكل هناك متفهم لموقفه ..لن يكون قادراً على العوده إلى البلاد

هنا في الغربة ..التي كنت أظن أنها ليست غربة وأن الغربه الحقيقية هي ان تكون بدون أهل ..بدون أصدقاء ..بدون أحبّه ..بدون سهرات ليلية تعلو فيها ضحكات هيستيرية والعودة إلى فراشك وغرفتك مع عودة يوم جديد

أحياناً

أن تكون في وسط كل هؤلاء وتعاني أيضاً من غربة ..موجودون بأجسادهم ولكن بدون أرواح.. تكون خاوية ..؟

في وسط الأهل ..والأصدقاء والسهرات الليلية ..تكن موجوداً في وسط وجوههم الغريبة ولغتهم التي تدرك للحظات فقط أنك لاتفمها

تجلس بينهم وتشعر أنك تسبح في عالم آخر


في صباح اليوم التالي أنطلقت إلى شقته كالمعتاد

الباب مفتوح على مصراعيه..الشقة خاوية تماما ...أتوجه إلى غرفته التي أصبحت فارغة ..أجلس في ركنها على الأرضية الباردة..وأحدق في السقف ..أفرك في جبهتي في عصبية

أين ذهبت ..أصرخ بشدة

أين ذهبت وتركتني وحيداًَ

كنت نقطة الضوء الوحيدة في ذلك العالم المعتم
ثق في الله وفي نفسك ,وإذا ضاقت الدنيا فاسجد بين يديه
إلقي العالم وراء ظهرك و لاتبالي بهؤلاء الذين يريدون أن يحولوك إلى بقايا إنسان

أليست هذه كلماتك

أهكذا أستسلمت للحزن وتركتني وحيدا ..أنت من كان يدفنعي للحياة في تلك الغربة


برغم عينيه المليئتان بالحزن ..إلا أنه كان يحاول أن يخفيهما بإبتسامه عريضةلم يسخر من العالم ولا مني يوماًولم أسخر منه

..يتعامل مع الآخرين على أنهم معجزات تسير بأقدام ...أنت في حد ذاتك ..لاتدركها

لو أدركتها سيتذكرك العالم لقرون وربما أكثر ..أروع مافي الإنسان هو الخطأ ..لا تسقط نفسك في بئر الإنتقاد ..كان إذا اراد أن يشير إلى خطأ أرتكبته ..كان يحدثني بهدوء وصراحة مطلقة "أنت فعلت كذا وكذا. أنا أعلم أنك لم تقصد ذلك .."؟

غرفته المليئة بالكتب ..غير منظم أبداً ..ربما تكون تلك هي نقطة ضعفه ..يحب القراءة عن كل شئ

هوايته الغريبة لاتضايقني فلابأس ..فقط كان يعشق الضفادع وأشياء أخرى..كان الآخرين كثيراً مايسخرون منه

كان عندما يتعرض لمضايقات وعراقيل من الآخرين ينظر لي ممسكاً بكتفيّ بعصبية وشدة ..أتؤمن بي ؟..أجيبه بحزم " نعم أؤمن بك

رغم أنه يحب دراسته جداً , علم النبات , ومع ذلك ظل سنتين يقرأ كتب الطب بدون أن يفهم شيئاً ..حتى فهم في السنة الثالثة ..أخبرني بأنه من العيب على الإنسان ألا يعرف مايجول داخله ...,كل هذا لايهم ..مايهمني أننا كنا نقضي وقتاً طيباً مع بعضنا البعض


إذا كنت موجوداً فعد

أحدهم قادم أيكون هنا ...شخص ما ربما كان حارس العقار..أقف..وأقترب منه

أسأله .."أين ذهب الشاب الذي كان يسكن هنا ؟

ينظر لي بإستغراب "شاب " ما من شاب هنا ..تلك الشقة لم تُسكن منذ ثلاثة شهور

3 comments:

محاولة لكسر الصمت said...

مخيف هو ما كتبت, لكنني أردت إخبارك يا سيدي أنني أعرف للغربة معان أكثر وأكثر...لا لشيئ سوى أنه لفمهوم الغربة لا توجد تعريفات أو قواعد, هي شيئ منا وفينا يحيى بنا ويموت معنا...
تحياتي

محاولة لكسر الصمت said...

شيئ آخر.... على قدر ما هو مخيف, فهو صادق رائع...

emad.algendy said...

صدمتني كلمة حارس العقار
قرات تدوينتك كثيرا
كل مرة تثير بداخلي احاسيس ومشاعر اخرى مختلفة تماما
ربما يجمعها الغربة
احببت صداقتهما او صداقتكما
لست متيقن ان كان ما كتبته حقيقة او خيال
اتمنى ان تجيبني ان كان خيالا او حقيقة
دمت مبدعا سعيدا
تحياتي محمد