Friday, December 31, 2010

وهل يطير الوقت؟ للأسف نعم


 أستقبل العام الجديد وهو ممداً على سرير حديدي من طابقين في وسط عشرون من أقرانه يغطون في نوم عميق ,فقط أحس بالعالم الخارجي من خلال سماعات مثبته في أذنيه استمع من خلالهم إلى ضجيج الحياة وصخبها متذكراً العام الماضي.لم يستطيع "الكلسون" الذي أشتراه في أحد العطلات لأول مره أن يشعره بنفس دفئ "السحلب " الساخن الذي كانت تصنعه أمه في ليلة رأس السنة وهم يتابعون فيلم السهرة
........
بينما ترتب مكتبها في آخر أيام العام سقطت من إحدى دفاترها القديمة ورقه ,فتحتها وقرأت ما فيها
"مش متخيل أبداً حياتي بدونك, كل ما أفكر إزاي ممكن نسيب بعض في يوم من الأيام بتجنن بجد ,إنتي ماتتخيليش إنتي إزاي فارقه في حياتي ,صدقيني أنا مش هازعلك تاني,ماحبتش السنة الجديدة تيجي علينا واحنا زعلانين من بعض ,الكلام ده ما جاتليش الجرأة ان أنا اقولهولك ...عشان كده كتبته وسبته في كشكول  محاضرتك من غير ماتخدي بالك , حبيبة قلبي أنا هاعمل كل جهدي عشان نستمر مع بعض إلى الأبد....مزقتها ولكن لم تستطع أن تمزق الذكريات التي تركت آثراً لايُمحى
وكأن الألم قد أحكم قبضته على صدرها وأخذ في سحقها بين صور من الماضي ,كانت مجرد كلمات زائفه ,تركتها جثة هامدة بلاروح وبقلب مفتت بإسم الحب
.......
ماذا حدث ؟ ينظر إليها والكلمات لا تجرأ على الخروج أبداً
كان عاماً جيداً أليس كذلك؟ 
العام الذي تزوجنا فيه ....أليس هذا ما كنا نتمناه
 ماذا حدث؟
بعد أربعة سنوات من الحب ,تزوجنا أخيراً
يحاول رسم إبتسامة .....ينظر إليها وهو يتخيلها أول  مرة ألتقيا ,لم تكن كذلك
هي الأن بجواره تجلس على الأريكة وتقلب قنوات التلفزيون
ماذا حدث؟
يحاول إستراق النظرات إليها وهي لاتعيره بالاً, يحاول أن يضع يده على كتفها في محاولة لإحتضانها
تحرك يدها  لتلملم شعرها المنثور على كتفيها تلقائياً, فتتراجع يده ليمسح بها وجهه بتوتر
يتحسر على الرومانسية والحب وكلمات الغزل
هل يقتل الزواج الحب؟.....هل يحوله إلى جرعات مقننه بمواعيد  كمواعيد الموظف الحكومي 
"بص كده ياحبيبي الفيلم ده جامد جداً,هايجيبوه بكره في ليلة راس السنة" فيلم تحفة مش كده
ينظر لها راسماً على وجهه إبتسامه متوترة عريضه....ويومئ برأسه ....يأخذ نفس عميق وينظر إليها
تلفت نظره....إيه مالك؟ .....أنت جعان أجيبلك تاكل....أسخنلك القلقاس تتعشى
.........
هو الأن في طريقه إلى شقة في مدينة نصر حيث يقضي فيها ليله وحيداً,يعرج على "شبراوي",نفس السندوتشات الذي يشتريها كل أسبوع  "إتنين بطاطس وإتنين طعمية " لكن هذه المرة يفكر في التغيير فليس من اللائق أن يستقبل العام الجديد بعشاء مكون من "إتنين بطاطس وإتنين طعمية "ربما  كشري من عند شيخ البلد ...لا لا لا ....نصف فرخة مشوية...لا ياعم , أطلع على "هارديز مثلاً , تكا, الطازج , مؤمن , كوك دور...أخذ يستعرض كل المطاعم ؟ مش عارف...يريد أكلة تليق بإستقبال العام الجديد
شارعي مكرم والعقاد يكادان ينفجران من السيارت والناس,يبدو أن الناس لن تنام الليلة, يلمح صديقه يعبر الطريق ,وبعد المقدمات المعروفة من السؤال عن الصحة والأحوال,يشقان طريقهما سوياً,, وبدا أن صديقه يفكر أيضاً في الأكل
إيه ....إنت مش عايز تاكل .....دا انا ميت,كل سنة وانت طيب.أنا عازمك الليلة دي يامعلم
"أوبه كده هاتحلوّ أيوه كده نعرف نستقبل العام الجديد يامعلم
ايه تحب تاكل ايه.....انا أعرف واحد جامد جداً...أهوه إحنا قريبن منه"شبراوي" ؟
أه ....عارفه" وأنا أكاد أبكي من فرط السعادة
أجيبلك إيه
أقولك إيه بس ...إتنين طعمية وإتنين بطاطس
.......
وهي تلقي نظرة على بريدها الإلكتروني,وإذا بها تجد رسالة من شخص تعرفه جيداً,كانت مفاجاءة ,أخيراً "نطق" كان مكتوباً فيها بالنص بلغة منمقة "أنه لم يتخيل العام الجديد بدون أن أعلن لك عن حبي الذي حبسته داخلي طوال الشهور الماضية ..لذا أستغل تلك الساعات القليلة الباقية من العام لأعلنها ..أنني أحبك وأتمنى أن تصبحين شريكة حياتي في العام الجديد وطوال الأعوام القادمة 
تلك الكلمات دفعتها أن تهرول على "تيلفونها المحمول" وتتصل به سريعاً
الشاويش الجالس بجوار العاشق المتيم , يفاجئ بالتليفون المحمول يهتز بين يديه, ولا يحرك ساكناً
ينظر إليه العاشق المتيم برجاء ,أرجوك ممكن أرد على التليفون ,أخبرهم فقط أنني في القسم
ممنوع ...ممنوع يا أستاذ"بنبرة تذكرك بشاويش الأفلام المعهود ذو الشوارب الملفوفة والطويلة
ياسيدي أرجوك دقيقة
يبدو أن الشاويش قد لان قليلاً"هي دقيقة وعلى الله البيه الضابط يعرف
أوعدك ماشي بس بسرعة قبل ما يقفل
آلو........؟
أيوه يا حياتي........كل سنة وانت طيب
ميييين , ده وقته أنا في قسم حي شرق
ليه .....ده فال وحش على السنة الجديدة؟
مش كده برده....بقولك ايه , إعملي للرسالة اللي بعتهالك ديليت وبالمرة إعمليلي ديليت من حياتك..سلام 
أغلق المحمول ...وأعطاه للشاويش"هو انا هافضل قاعد هنا كتير
.....
ربما يحدث كل هذا في نفس اللحظة ,أحدهم يولد وآخر يموت ,هناك من يحتفل في إحدى الكازينوهات,أو فندق عائم, وأخرون لايمثل لهم ذلك إحتفالاً, يوم عادي,هناك من يتلقى خبر مفرح ويعيش أسعد لحظات حياته,وهناك آخر يتلقى خبر محزن ويعيش أتعس لحظات حياته,تخيلوا لو كانت الحياة تمر هكذا بدونان يكون للسنين ولا للشهور ولاللأيام تقويماً, بالتأكيد لن نشعر بمرور الوقت,إن من أخترع الساعات والتقويم بأنوعاه ,أهدى للإنسان أعظم هدية ,أحياناً تكون نقمة للبعض,أن تشعر بالوقت وتحاول ألا يفلت من بين  يديك  وتحاول إستغلاله وتنظيم وفي المقابل تتركه يطير

4 comments:

emad.algendy said...

سعيد لعودتك
جميل انك دللت على فكرتك بوصف يجعلنا نعايش ما ترمي له
مازلت مصرا اننا من نكسب الاشياء معنى
لاتكتسب بداية العام ولا اوقاتنا وايامنا معنى لذاتها
انما يمنحها كل منا معنى خاص به
تذكرت هذه الاية في الفقرة الاخيرة
وانه هو اضحك وابكى
اوقات المسلمون نور في قبورهم وذكريات يشاركونها اخوانا على سرر متقابلين
اوقاتهم ابدا لا تطير

تركت تعليقا على سؤالك في تدوينة غائب
اتمنى لو قراته
تحياتي

إنسان || Human said...

والله يا نور لا تتخيل أبدا سعادتي لتعليقك , بافعل نحن من نكسب الأوقاب طعماً لها , وهذا مايختلف من شخص لأخر وهذا ما ارادت ان اشير اليه ......
ما قصدته في ان الوقت يطير ..انه يمر سريعاً ولا نشعر به ..هكذا سيمر وهكذا سيمر اذا فالنستغله افضل استغلال

شمس النهار said...

تدوينة لطيفة

غريبه هي الحياة

إنسان || Human said...

بالفعل هي غريب ياشمس النهار
والإنسان أغرب منها